هل يمكن أن يبقى السوق العقاري تقليديًا في عصر تُدار فيه الثروات بضغطة زر وتُحسم فيه القرارات بناءً على البيانات لا الانطباعات؟ سؤال لم يعد رفاهية بل ضرورة حتمية أمام التطورات المتسارعة في سوق يشهد منافسة شرسة، وزيادة في الطلب، وتغيرًا في سلوك العملاء. وفي خضم هذا المشهد، لم يعد هناك مكان للوسيط العشوائي الذي يعمل بلا ترخيص، أو يتعامل بلا شفافية، أو يفتقر إلى أدوات التحليل الرقمي. السوق الذكي الذي نتحرك نحوه لا يتسامح مع الفوضى، ولا يرحب بمن لا يفهم قواعده الجديدة. فما هو تعريف “الوسيط العشوائي”؟ ولماذا لم يعد له مكان؟ وكيف يمكننا التفرقة بين الوسيط المحترف والوسيط العشوائي؟ وما دور الجهات التنظيمية في هذه المعادلة؟
من هو الوسيط العشوائي؟
هو ذلك الشخص الذي يظهر فجأة عند كل مشروع عقاري جديد، يحمل رقم هاتف وبضع صور، ويبدأ في إرسال عروض بدون فهم حقيقي لما يبيعه أو لمن يبيعه. لا يملك سجلًا تجاريًا، لا يظهر اسمه في أي قاعدة بيانات، لا يستطيع أن يثبت علاقته بالمطور، بل وربما لا يعرف الحد الأدنى من تفاصيل العقد أو شروط الحجز. هو وسيلة سريعة للحصول على عمولة، وليس شريكًا في بناء قرار استثماري سليم. في عالم يزداد وعي العملاء فيه يومًا بعد يوم، هذه العشوائية لم تعُد مقبولة، بل أصبحت مصدرًا لفقدان الثقة، وإضرارًا بسمعة السوق كله.
لماذا لم يعُد السوق يحتمل العشوائية؟
لأن العميل لم يعُد ساذجًا. العميل اليوم يدخل الإنترنت، يُجري مقارنات، يشاهد فيديوهات، يقرأ تقييمات، ويتواصل مع جهات رسمية. لم يعُد يقبل أن يسمع كلامًا إنشائيًا من وسيط لا يملك مرجعًا. كما أن السوق نفسه أصبح أكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا، فالمشروعات أصبحت تُطرح عبر منصات رسمية، وتتطلب إجراءات موثقة، والمتابعة تتم رقميًا، وكل شيء قابل للتتبع. وفي بيئة كهذه، وجود وسيط عشوائي يُشبه وضع قطعة غريبة في آلة تعمل بدقة… لا بد أن تُحدث خللًا.
هل يؤثر الوسيط العشوائي فقط على العميل؟
الإجابة لا، بل هو يؤثر على الجميع. العميل قد يتعرض لخداع أو يفقد أمواله. المطور العقاري يخسر سمعته عندما يُسيء الوسيط تمثيل مشروعه. السوق ككل يُصاب بالارتباك لأن المعلومات تتضارب، والأسعار تتلاعب، ولا أحد يعرف الحقيقة. حتى الوسطاء المحترفون المتدربون والموثقون، يتأثرون سلبيًا بوجود من يزاحمهم دون مرجعية أو ضوابط. لذا فالمشكلة لا تخص طرفًا بعينه، بل تمس مصداقية السوق بأكمله.
ما الذي يميز الوسيط المحترف؟
الوسيط المحترف ليس فقط شخصًا يبيع وحدات. هو مستشار استثماري، ومحلل اتجاهات، ومصدر معلومات دقيقة. يتعامل بعقود واضحة، ويُفصح عن عمولته، ويحترم خصوصية العميل، ويحرص على دراسة المشروع قبل الترويج له. هو شخص موثق، يظهر اسمه في قاعدة بيانات رسمية، ويمكن الرجوع إليه في حال حدوث نزاع. يعمل وفق ميثاق شرف مهني، ويخضع لتدريب مستمر. الأهم من ذلك كله، أنه يُدرك أن مهمته ليست تحقيق عمولة فقط، بل بناء علاقة طويلة الأمد مع العميل.
كيف يحمي السوق الذكي نفسه من العشوائية؟
السوق الذكي لا يكتفي بالنيات الحسنة. بل يضع نظامًا. توثيق الوسطاء هو حجر الأساس، ويجب أن يكون هناك سجل وطني موحد، يضم كل وسيط معتمد، ويُظهر بياناته وتقييماته ومشروعاته السابقة. كذلك، يجب أن تكون هناك منصة رقمية رسمية – مثل منصة مصر العقارية – تُمكن العملاء من التحقق من بيانات الوسيط قبل التعامل معه. المنصات الذكية تلعب دورًا محوريًا في تقليص العشوائية، لأنها تضع كل التفاصيل أمام العميل، وتخلق بيئة شفافة يمكن فيها التحقق والمحاسبة.
هل الدول الأخرى تجاوزتنا في هذه الخطوة؟
نعم، والواقع يُثبت ذلك. في الإمارات والسعودية لا يستطيع أي شخص العمل كوسيط دون ترخيص رسمي وتدريب معتمد. في كندا والولايات المتحدة، هناك اختبارات دورية لتجديد الرخصة، ويُمنع تمامًا العمل بدون توثيق. بل إن بعض الدول أصبحت تدمج الذكاء الاصطناعي في التحقق من الوسطاء وتقييم سلوكهم. هذه التجارب تثبت أن تنظيم الوساطة العقارية لم يعُد رفاهية، بل هو جزء من بناء اقتصاد قائم على الثقة.
ما مسؤولية الجهات المعنية في مصر؟
لا يمكن لأي سوق أن ينمو في غياب الرقابة والتنظيم، ولهذا فإن وزارة الإسكان، والغرف التجارية، ونقابات الوسطاء، والجهات الرقابية مطالَبة بالتحرك بوتيرة أسرع من أي وقت مضى. إصدار القوانين خطوة مهمة، لكنها لا تكفي وحدها دون تنفيذ فعلي صارم، وآليات واضحة لمتابعة تطبيقها على أرض الواقع. المطلوب هو تفعيل منظومة متكاملة تشمل حملات توعية دورية، ومتابعة مستمرة لأداء الوسطاء، إلى جانب الربط التقني بين المنصات العقارية الرسمية والجهات التنظيمية. كما يجب فرض غرامات حاسمة على من يمارس الوساطة دون ترخيص، وفي الوقت نفسه تقديم حوافز ملموسة للوسطاء الملتزمين الذين يحققون تقييمات إيجابية من العملاء، خاصة عند تسويق مشروعات كبرى مثل كمبوند بيجونيا في القاهرة الجديدة، الذي يتطلب خبرة حقيقية واحترافية عالية لنقل صورته بدقة وثقة إلى الجمهور.
هل العقار المصري يمكنه التصدير في ظل هذه الفوضى؟
في بيئة يغيب فيها التوثيق وتنتشر فيها العشوائية، من الصعب تصور أن العقار المصري يمكن أن ينافس على مستوى التصدير. المستثمر الأجنبي لا يُخاطر بأمواله في سوق لا يعرف فيه من هو الوسيط، أو يفتقر إلى آليات تحقق رسمية وواضحة. بل إن حتى العملاء المحليين أصبحوا أكثر وعيًا، يبحثون عن الثقة قبل العروض، وعن الجدية قبل الكلمات المنمقة. فإذا كنا نرغب فعلًا في تصدير مشروعاتنا العقارية، علينا أن نبدأ بتصدير صورة ذهنية تعكس احتراف السوق المصري، وتبرز جودة التنظيم ووضوح الإجراءات. فعندما يرى المستثمر الخارجي أن مشروعًا متكاملًا مثل كمبوند بيجونيا القاهرة الجديدة يُسوّق من خلال وسيط موثّق، وبآلية رسمية تتيح له التحقق من كل خطوة، سيشعر بالاطمئنان ويبدأ في اتخاذ القرار.
ما الذي يجب أن يتغير الآن؟
لقد تجاوزنا مرحلة النقاش، وحان وقت التحرك. لا مجاملة لمن يعمل دون ترخيص، ولا تساهل مع من يُسيء لصورة المهنة. المطلوب الآن هو تفعيل أدوات رقابة فعالة، ودمج حقيقي للتكنولوجيا، مع إطلاق أنظمة تقييم ومتابعة تشجع على الالتزام وتُقصي من لا يملك الحد الأدنى من المهنية. يجب أن يُمنح الوسطاء الملتزمون بالأصول القانونية أولوية حقيقية في تسويق المشروعات الكبرى، مثل بيجونيا القاهرة الجديدة، كنوع من المكافأة على الجدية والانضباط.
هل من مكان للوسيط العشوائي في السوق القادم؟
الإجابة القاطعة: لا. السوق الذكي القادم لا يفتح أبوابه لمن يفتقر إلى التوثيق، ولا يقبل العمل في الظل، ولا يسمح بتكرار أخطاء الماضي. السوق الجديد مُصمم ليُكافئ الكفاءة، ويحتضن من يفهم قواعد اللعبة الجديدة: الشفافية، المهنية، التوثيق، والاعتماد على البيانات. ومن أراد أن يستمر ويزدهر، فعليه أن يكون جزءًا من هذه المنظومة. أما من يصر على العشوائية، فالسوق ببساطة سيتجاوزه… دون رجعة.