نسخة تجريبة حتي 13 فبراير

مستقبل التمويل العقاري في مصر: أسهل أم أصعب؟

يشهد قطاع التمويل العقاري في مصر تحولات متسارعة على خلفية تغيّرات الاقتصاد الكلي وسوق العقارات نفسها، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيصبح الحصول على تمويل عقاري أسهل أم أصعب في السنوات المقبلة؟

 في هذا المقال نتناول السياق الراهن للتمويل العقاري في مصر، ونستعرض العوامل التي قد تجعل الوصول إلى التمويل أسهل، بالإضافة إلى العوامل التي قد تجعل الأمر أكثر صعوبة، كما نناقش التوجهات المستقبلية، ونقدّم رؤى حول ما ينبغي للمشترين والمستثمرين أن ينتبهوا إليه.

الواقع الحالي للتمويل العقاري في مصر

في مصر، يقيس التمويل العقاري من خلال القروض التي تُمنح لشراء أو بناء أو تحسين وحدات سكنية أو تجارية، وقد بدأ هذا السوق يتوسع تدريجياً، لكن لا يزال يمثل نسبة صغيرة من إجمالي القروض البنكية. كما أن هناك مبادرات حكومية تستهدف فئات ذات دخول متوسطة أو منخفضة لتسهيل التملك العقاري، ولذلك فإن الواقع يحمل مزيجاً بين الفرص والتحديات.

وبالرغم من أن البنوك وشركات التمويل العقاري أطلقت برامج متنوّعة، فإن الارتفاع في أسعار الفائدة، والتضخم، وتقلبات العملة، وضيق دخول بعض الفئات، كلها عوامل أثّرت على مدى قدرة المواطنين على سدّ الالتزامات طويلة الأجل. كما أن الأوراق المطلوبة والإجراءات القانونية ما تزال تشكّل عقبة في كثير من الحالات.

ومن ثم فإن فهم هذا الواقع الراهن يشكّل الأساس لتقييم ما إذا كان المستقبل سيشهد تسهيلًا أو تعقيدًا أكبر في الحصول على تمويل عقاري.

العوامل التي قد تجعل التمويل العقاري أسهل

ثمة عدة عوامل يمكن أن تعمل على تسهيل الحصول على تمويل عقاري في مصر في المستقبل، ومنها ما يلي.

أولاً، التوسّع في مبادرات التمويل المدعومة أو المدعّمة من الدولة، حيث إن برامج التمويل العقاري لذوي الدخل المتوسط والمنخفض يمكن أن تشجّع البنوك وشركات التمويل على تقديم شروط أكثر مرونة، وبالتالي يمكن أن يقلّلت الحواجز أمام مشترين جدد.

 ثانياً، التطورات التقنية والرقمية في القطاع المالي والاستخدام المتنامي للخدمات البنكية الرقمية يمكن أن يقلّلا من زمن الموافقة والإجراءات الورقية، وبالتالي يحسّنا تجربة المتعامل مع التمويل العقاري. كذلك، فإن توسّع المشروعات العقارية في المدن الجديدة وتوافر وحدات جاهزة أو شبه جاهزة للتسليم يجعل فرص التمويل أكثر وضوحاً لأنها تقلّل مخاطر التأخير أو البناء غير المكتمل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة الوعي المالي بين المواطنين وتعدد الخيارات التمويلية – سواء من البنوك التقليدية أو من شركات التمويل العقاري الخاصة أو من خلال الشراكات بين المطوّرين والعاملين في القطاع – قد يُسهم في جعل المسارات التمويلية أكثر تنوعاً وأسهل من ذي قبل. ولذلك فإن تلك العوامل قد تدعم فكرة أن التمويل العقاري قد يصبح أسهل في المستقبل القريب.

العوامل التي قد تجعل التمويل العقاري أصعب

من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل مجموعة من العوائق التي قد تجعل الحصول على تمويل عقاري أكثر صعوبة في مصر خلال المرحلة المقبلة.

أولاً، ارتفاع معدلات الفائدة المصرفية – والتي ترتبط بالسياسات النقدية ومعدلات التضخم – يمكن أن يزيد من تكلفة القرض على المقترض ويحدّ من عدد من يستطيع الالتزام بدفعها على مدى سنوات طويلة. 

ثانياً، تدهور قدرتهم الشرائية وارتفاع تكاليف البناء والمواد الخام يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوحدات العقارية، وهو ما يعني دفعات أولية أكبر أو أقساط أعلى، مما يقلّل من إمكانية الوصول إلى التمويل لمن دخلهم محدود.

ثالثاً، التحديات القانونية والإدارية ما تزال قائمة، فبعض الوحدات العقارية في المدن الجديدة أو في التجمعات العمرانية تحتاج إلى تسجيل قانوني كامل ووثائق مطابقة، وما زالت بعض المشاريع تواجه تأخيرات في التسليم أو ضعفاً في البنية التحتية مما يزيد المخاطر على المقترض. ورابعاً، ضعف المعلومات الائتمانية لبعض الفئات – من حيث التأهيل المالي أو السجل الائتماني – يجعل بعض البنوك أكثر حذراً في قبول طلباتهم، وبالتالي قد يقود ذلك إلى شروط أكثر تشدداً أو متطلبات أعلى أو ضمانات إضافية.

وبالتالي فإن هذه العوامل قد تُحوّل تمويل العقاري من خيار يسهل الوصول إليه إلى خيار أشدّ تعقيداً في بعض الحالات، وهو ما يستوجب الحذر والتخطيط الجيد.

الاتجاهات المستقبلية لتمويل العقاري في مصر

في ضوء المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، يمكن تحديد عدّة اتجاهات مستقبلية لقطاع التمويل العقاري في مصر. أولاً، من المرجح أن تتزايد البرامج الحكومية والداعمة التي تستهدف التوسع في التملك العقاري أو تمويل فئات دخل متوسّطة ومنخفضة، وهو ما يعني أن هناك احتمالاً لظهور شروط أفضل أو دفعات أولى أقل أو فترات سداد أطول. 

ثانياً، نشهد إطلاق منتجات تمويلية مبتكرة مثل القروض الإسلامية أو الشراكة العقارية أو أنظمة التأجير المنتهي بالتمليك، وهو ما قد يوسّع دائرة المستفيدين من التمويل العقاري. ثالثاً، سيواصل التحول الرقمي دوره في تسريع الإجراءات، وتحسين الشفافية، وتمكين المقترضين من مراقبة قرضهم وإدارتهم من خلال تطبيقات ذكية، وهذا سيجعل العملية أسهل من الناحية التقنية.

رابعاً، ومع استمرار النمو السكني وتوسّع المدن الجديدة، فإن الزيادة في المعروض من الوحدات المخطّطة والقادرة على تمويل يجعل السوق أكثر نشاطًا، وهو ما قد يشجّع البنوك على تقديم المزيد من التمويل. وأيضاً، قد تتحسّن الأطر التنظيمية والقانونية لتعزيز حماية المقترض والمموّل على حدّ سواء، مما قد يقلّل من المخاطر ويزيد الثقة وبالتالي يسهل التمويل.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الاتجاهات ستواجه تحديات مرتبطة بسعر الفائدة والتضخم وسعر الصرف والبنية التحتية، ولذلك فإن النجاح في تسهيل التمويل ليس أمراً محتوماً بل يستلزم تنسيقاً بين جهات متعددة واستجابة سريعة للظروف المتغيرة.

ما الذي ينبغي للمقترض أو المستثمر أن يعرفه؟

من مهمّات كل من يرغب في تمويل عقاري أن يكون مستعدّاً جيداً ويعرف المعطيات التي تؤثّر على فرصه وشروطه. ينبغي أولاً التأكّد من دخله الشهري وقدرته على الالتزام بالأقساط على مدى السنوات، كما ينبغي أن يتحسّب لتغيّر في سعر الفائدة أو في قيمة العقار. 

كما من الضروري أن يفحص موقع الوحدة العقارية، نوعها، مدى جاهزيتها للتسليم، وجودة التشطيب، وسجل المطوّر العقاري، لأن هذه العوامل تؤثّر في مخاطر التأخير أو انخفاض قيمة العقار. ويجب أيضاً أن يطلع على شروط التمويل بعناية – مثل نسبة الفائدة، مدة السداد، دفعة أولى، الضمانات المطلوبة – وأن يحسب السيناريو الأسوأ: ماذا لو ارتفع الفائدة؟ ماذا لو تأخّرت التسليم؟ ماذا لو تغيّرت الظروف الاقتصادية؟

كما يُستحسن أن يحتفظ بمخصص مالي للطوارئ لأن العقار غالباً ليس سائلًا بسرعة، وقد تحتاج فترة بيع أطول أو تجد تأجيراً صعباً في منطقة ما. وأيضاً، فإن دراسة السوق العقاري في المنطقة التي يشترى بها ضرورية لتقييم ارتفاع الطلب أو وجود معروض زائد قد يؤثّر على السيولة أو إعادة البيع. وأخيراً، يجب أن يتابع المقترض التغيّرات في التشريعات والضرائب والأنظمة المصرفية، لأنها قد تغيّر شروط التمويل أو التكاليف المرتبطة به.

سيناريوهات محتملة: أسهل أو أصعب؟

يمكن تصوير المستقبل في شكل سيناريوهين تقريبيين: الأول هو أن التمويل يصبح أسهل، والآخر أن يصبح أصعب.

في السيناريو الأول، نفترض أن الدولة توسّع برامج التمويل، وتخفض الفائدة أو تمنح تسهيلات أكبر، وتسرّع تسجيل الوحدات العقارية، وتزيد من الخدمات الرقمية، ويُصاحب ذلك نموّ اقتصادي معتدل وانخفاض نسبي في التضخم وسعر الفائدة. في هذا الحَال، سيصبح التمويل العقاري أكثر قدرة على الوصول إليه لعدد أكبر من المواطنين، خصوصاً مستهدفي التملك لأول مرة أو ذوي الدخل المتوسط. وسيشهد القطاع نشاطاً أكبر من البنوك والمطورين والشركات الوسيطة، ما يُعزّز بدوره سوق العقارات ويخلق دوّامة إيجابية.

في السيناريو الثاني، إذا استمرّ التضخم المرتفع، وارتفاع الفائدة، وتقلبات العملة، وتأخر المشاريع العقارية، وازدادت المخاطر القانونية أو التأخيرات في التسليم، فإن التمويل العقاري قد يصبح أكثر صعوبة. وقد تتوجّه البنوك إلى تشديد الشروط، أو زيادة دفعة أولى، أو تقليل مدة السداد، مما يقلّل من قدرات كثير من المواطنين على تأسيس قرض عقاري. وقد يضعف الطلب بالتالي، مع احتمال أن تتراجع السيولة العقارية أو ترتفع مخاطر عدم التسليم.

وبما أن الواقع غالباً يقع بين طرفي السيناريو، فإنّ الرهان الأفضل هو أن يكون المقترض أو المستثمر مستعداً لكليهما، وأن يتبنّى استراتيجية مرنة تستشرف التغيّرات.

توصيات للمشاركين في السوق العقاري

لكل من يعتزم الحصول على تمويل عقاري أو الاستثمار في عقار معتمد على التمويل، هناك مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تزيد احتمال النجاح وتقلّل المخاطر. 

أولاً، لا تنتظر أن تصبح الأسعار “مثالية” بل ابدأ مبكراً إذا كانت قدراتك المالية تسمح بذلك، لأن التأخير غالباً يزيد من تكلفة العقار. ثانياً، اختر مطوّراً ذا سمعة جيدة والتزم بوحدة عقارية أو مشروع يكون قد بدأ بالفعل أو على الأقل لديه تصاريح واضحة، لأن التأخيرات تكلّف المقترض كثيرًا. ثالثاً، احسب إجمالي تكلفة التمويل وليس فقط القسط الشهري، فمن المهم احتساب الفائدة، التأمين، الصيانة، الضريبة، وأي رسوم إضافية.

 رابعاً، احتفظ بسيولة احتياطية للطوارئ لأن أي تأخير أو ظرف غير متوقع قد يضع ضغطاً على ميزانيتك. خامساً، استفسر عن الشروط التفصيلية للبنك أو شركة التمويل، واسأل عن إمكانية السداد المبكر، أو تغيّر شروط الفائدة، أو التأثير في حال تأخر التسليم. 

سادساً، تابع الوضع الاقتصادي العام – من حيث التضخم، سعر الفائدة، سعر العملة – لأن هذه المتغيرات تؤثّر مباشرة في مديونية الفرد وفي قيمة العقار الذي يملكه. 

وأخيراً، فكّر في استخدام التمويل العقاري كجزء من استراتيجية أوسع للتملّك أو الاستثمار وليس كرهان وحيد، قم بتنويع محفظتك أو إمكاناتك بين الأصول إن أمكن.

في ختام الأمر، فإن مستقبل التمويل العقاري في مصر يحمل في ذاته إمكانات كبيرة للسهولة والتحسّن، لكنه ليس مغلقاً من جهة الصعوبة والتحديات. إن المسار الذي سيتخذه يعتمد على مزيج من العوامل الاقتصادية، والسياسات الحكومية، وقدرة البنوك وشركات التمويل على الابتكار، وكذلك سلوك المشترين والمستثمرين. 

ومن الواضح أن الوصول إلى التمويل العقاري ليس بعده جامداً، بل هو مجال ديناميكي يتفاعل مع كل متغيّر اقتصادي أو تنظيمي. ولذلك فإن من يخطط للحصول على تمويل عقاري أو الاستثمار العقاري عليه أن يكون مستعداً، وأن يُقيّم خياراته بدقة، وأن يتبنّى رؤية على المدى المتوسط والطويل، لأن في هذه الرؤية يكمن الفرق بين فرصة يستفيد منها وآخر يواجه مخاطر لم يكن مستعداً لها. لقد أصبح التمويل العقاري في مصر ليس مجرد عملية شراء، بل قراراً استراتيجياً يحتاج إلى فكر، وتخطيط، ومرونة.

منصة مصر العقارية

منصة مصر العقارية هي المنصة الرسمية الحكومية التي تهدف إلى تسهيل عمليات بيع وشراء وتأجير العقارات في مصر بطريقة شفافة وسهلة، مما يساعدك في العثور على بيتك في مصر بسهولة. توفر المنصة مجموعة متنوعة من العقارات السكنية والتجارية، مع إمكانية البحث والتصفية حسب الموقع ونوع العقار.

مشاركة

ذات الصلة

نوفمبر

11

غير مصنف

في السنوات الأخيرة، شهد السوق العقاري المصري تحوّلًا لافتًا في توجهات المستثمرين نحو العقارات تحت الإنشاء، وهذا النوع من الاستثمار

نوفمبر

11

غير مصنف

في عالم يسعى فيه الأفراد إلى تحقيق الاستقرار المالي بعيدًا عن ضغوط العمل اليومي، أصبح مفهوم الدخل الإضافي أحد أهم

نوفمبر

11

غير مصنف

يشهد السوق العقاري المصري نموًا متسارعًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بزيادة الطلب المحلي والتوسع العمراني في المدن الجديدة والمناطق الساحلية.

نوفمبر

11

غير مصنف

تشهد جمهورية مصر العربية طفرة سكانية ملموسة على مدى السنوات، فتوسّع عدد السكان وارتفاع نسبة الشباب وتزايد معدلات التمدّن كلها